سورة الإسراء - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49)}
قوله تعالى: {أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً} أي قالوا وهم يتناجون لما سمعوا القرآن وسمعوا أمر البعث: لو لم يكن مسحورا لما قال هذا. قال ابن عباس: الرفات الغبار. مجاهد: التراب. والرفات ما تكسر وبلى من كل شي، كالفتات والحطام والرضاض، عن أبى عبيدة والكسائي والفراء والأخفش. تقول منه: رفت الشيء رفتا، أي حطم، فهو مرفوت. {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} {أَإِنَّا} استفهام والمراد به الجحد والإنكار. و{خَلْقاً} نصب لأنه مصدر، أي بعثا جديدا. وكان هذا غاية الإنكار منهم.


{قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51)}
قوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً} أي قل لهم يا محمد كونوا على جهة التعجيز حجارة أو حديدا في الشدة والقوة. قال الطبري: أي إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم.
وقال علي بن عيسى: معناه أنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا الله عز وجل إذا أرادكم، إلا أنه خرج مخرج الامر، لأنه أبلغ في الإلزام.
وقيل: معناه لو كنتم حجارة أو حديدا لاعادكم كما بدأكم، ولأماتكم ثم أحياكم.
وقال مجاهد: المعنى كونوا ما شئتم فستعادون. النحاس: وهذا قول حسن، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة، وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة. {أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} قال مجاهد: يعني السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس. وهو معنى قول قتادة. يقول: كونوا ما شئتم، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم.
وقال ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن جبير ومجاهد أيضا وعكرمة وأبو صالح والضحاك: يعني الموت، لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه، قال أمية بن أبى الصلت:
وللموت خلق في النفوس فظيع يقول: إنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد أو كنتم الموت لأميتنكم ولابعثنكم، لان القدرة التي بها أنشأتكم بها نعيدكم. وهو معنى قوله: {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}. وفى الحديث أنه {يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار}.
وقيل: أراد به البعث، لأنه كان أكبر في صدورهم، قاله الكلبي. {فَطَرَكُمْ} خلقكم وأنشأكم. {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ} أي يحركون رؤوسهم استهزاء، يقال:
نغض رأسه ينغض وينغض نغضا ونغوضا، أي تحرك. وأنغض رأسه أي حركه، كالمتعجب من الشيء، ومنه قوله تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ}. قال الراجز:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا***
ويقال أيضا: نغض فلان رأسه أي حركه، يتعدى ولا يتعدى، حكاه الأخفش. ويقال: نغضت سنه، أي حركت وانقلعت. قال الراجز:
ونغضت من هرم أسنانها***
وقال آخر:
لما رأتني انغضت لي الرأسا***
وقال آخر:
لا ماء في المقراة إن لم تنهض *** بمسد فوق المحال النغض
المحال والمحالة: البكرة العظيمة التي يستقى بها الإبل. {وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ} أي البعث والإعادة وهذا الوقت. {قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} أي هو قريب، لان عسى وأحب، نظيره {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً}. و{لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}. وكل، ما هو آت فهو قريب.


{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (52)}
قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الدعاء: النداء إلى المحشر بكلام تسمعه الخلائق، يدعوهم الله تعالى فيه بالخروج.
وقيل: بالصيحة التي يسمعونها، فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم». {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} أي باستحقاقه الحمد على الأحياء.
وقال أبو سهل: أي والحمد لله، كما قال:
فإنى بحمد الله لا ثوب فاجر *** لبست ولا من غدرة أتقنع
وقيل: حامد تعالى بألسنتكم. قال سعيد بن جبير: تخرج الكفار من قبورهم وهم يقولون سبحانك وبحمدك، ولكن لا ينفعهم اعتراف ذلك اليوم.
وقال ابن عباس: {بِحَمْدِهِ} بأمره، أي تقرون بأنه خالقكم.
وقال قتادة: بمعرفته وطاعته.
وقيل: المعنى بقدرته.
وقيل: بدعائه إياكم. قال علماؤنا: وهو الصحيح، فإن النفخ في الصور إنما هو سبب لخروج أهل القبور، بالحقيقة إنما هو خروج الخلق بدعوة الحق، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} فيقومون يقولون سبحانك اللهم وبحمدك. قال: فيوم القيامة يوم يبدأ بالحمد ويختم به، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} وقال في آخر {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}. {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} يعني بين النفختين، وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين النفختين، وذلك أربعون عاما فينامون، فذلك قوله تعالى: {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} فيكون خاصا للكفار.
وقال مجاهد: للكافرين هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صيح بأهل القبور قاموا مذعورين.
وقال قتادة: المعنى أن الدنيا تحاقرت في أعينهم وقلت حين رأوا يوم القيامة. الحسن: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة.

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17